المبحث الأول:
أنواع الأحكام الكلية من جهة الموضوع أو الشكل، والتعريف بمفردات العنوان "المدخل إلى فقه المرافعات"، وبيان موضوع فقه المرافعات، ومسائله، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: أنواع الأحكام الكلية من جهة الموضوع أو الشكل:
تتنوع الأحكام الكلية من جهة الموضوع أو الشكل إلى نوعين؛ هما:
فمثلًا: جواز بيع عقار القاصر عند الاقتضاء من أحكام الموضوع، أما لزوم إذن القاضي فيه وإجراءات توثيقه، فهذا يدخل في أحكام الإجراء والرسم.
المطلب الثاني: التعريف بمفردات العنوان "المدخل إلى فقه المرافعات"، وتعريف فقه المرافعات مركبًا، وإطلاق اسم "فقه المرافعات على هذا الفن": المدخل المراد به: بيان فقه المرافعات ومقدماته. والفقه في الاصطلاح: عند الأصوليين هو معرفة الأحكام الشرعية العملية بأدلتها التفصيلية. وعند الفقهاء: هو مجموعة الأحكام والمسائل التي نزل بها الوحي واستنبطها المجتهدون وأفتى بها أهل الفتوى.
تعريف فقه المرافعات مركبًا: عرفه ظافر القاسمي بقوله: أصول المحاكمات، ويراد منها: الطرائق التي ينبغي أن تتبع منذ بداية المحاكمة حتى نهايتها". يطلق العلماء مصطلح "علم القضاء" ويتناولون فيه: حكم القضاء، وشروط القاضي، وطرق الحكم (الإثبات)، وكل ما يتعلق بسير الدعوى من بدايتها حتى الحكم فيها من كافة ما يتعلق بفقه المرافعات.
المطلب الثالث: موضوع فقه المرافعات، ومسائله:
موضوعه الإجراءات القضائية لتنظيم سير الدعوى وما يتعلق به من أحكام حتى الفصل فيها. والمسائل هي التي تتعلق بصفة رفع الدعوى، والاختصاص القضائي وأحكامه، وصفة إشخاص الخصوم، وصفة سير الخصومة، وأحكام الدعوى، وشروطها، وصفة سماع البينة من شهادة، وإقرار، وكتابة، ويمين، ونكول، وصفة أداء الشهود لشهادتهم، ونحو ذلك.
المبحث الثاني: مكانة فقه المرافعات بين العلوم بعامة وعلوم الشريعة بخاصة، وثمرة فقه المرافعات، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: مكانة فقه المرافعات بين العلوم بعامة وعلوم الشريعة بخاصة:
إن فقه المرافعات هو أحد فروع علم القضاء الذي هو باب من أبواب علم الفقه، والفقه أحد فروع علوم الشريعة، ولذا نجد الفقهاء يعقدون في ملفاتهم الفقهية كتابا يسمونه "كتاب القضاء"، ولأهمية علم القضاء أفرده عدد من العلماء بمؤلف مستقل تناولوا فيه أحكام القضاء، ومنها: فقه المرافعات، وهذا الفن معين للقضاء الذي هو من أعلى الخطط قدرًا، وقد أثنى الله -عَزَّ وَجَلَّ- على سليمان عليه السلام لاجتهاده وفهمه وجه الصواب، كما مدح داود لاجتهاده في الحكم، فقال تعالى: ﴿وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا﴾[الأنبياء:78-79]. ومما يبين أهمية هذا العلم أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ- حين عزم على بعث علي -رَضِي اللهُ عَنْهُ- إلى اليمن قاضيا احتج عليٌّ بأنه لا علم له بالقضاء، فأرشده النبي -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ- إلى شيء من أصول التقاضي، فعن علي -رَضِي اللهُ تَعَالَى عَنْهُ- قال: «بعثني النبي -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ- إلى اليمن قاضيا، فقلت: يا رسول الله، ترسلني وأنا حديث السِّن ولا علم لي بالقضاء؟ فقال: إن الله سيهدي قلبك، ويثبت لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضينَّ حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء، قال: فما زلت قاضيًا –أو: ما شككت في قضاء بعد»، وقول علي -رَضِي اللهُ تَعَالَى عَنْهُ- "ولا علم لي بالقضاء"، لم يرد به نفي العلم مطلقا، وإنما أراد نفي التجربة بسماع المرافعة بين الخصوم، فإن علي -رَضِي اللهُ تَعَالَى عَنْهُ- كان عالما بأحكام الدين وقضاياه. وكان هذا الفن من العلم محل اهتمام الخلفاء والولاة؛ فهذا عمر بن الخطاب لما ولى أبا موسى الأشعري –-رَضِي اللهُ عَنْهُما- القضاء كتب له كتابا بيَّن فيه أصول المرافعة التي يحتاج إليها عند التقاضي.
المطلب الثاني: ثمرة فقه المرافعات:
لهذا الفن من العلم ثمرات يانعة، وفوائد جمة، هي:
المبحث الثالث: فضل فقه المرافعات، وحكم تعلمه، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: فضل فقه المرافعات:
إن فقه المرافعات معين للقاضي في أداء مهمته على الحكم بالعدل، وإيصال الحقوق إلى أصحابها، فهو يرسم خطة التقاضي، ويبين أحكامها للقاضي وللمترافعين، ففضله منظور إليه من جهتين: من جهة كونه فرعًا من دوحة الفقه، ومن جه كونه معينًا للقضاء على أداء مهمتهم. ويقول صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ: «من يرد به خيرًا يفقهه في الدين»، وما ذاك إلا لأن الفقه سيد العلوم، فهو الذي يجمع فقه الكتاب والسنة. فقد ورد في الكتاب والسنة ما يدل على فضل القضاء وعظيم الأجر فيه، فقد شرف الله نبينا محمدا -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ- بصفة الحكم، فقال مخاطبًا إياه: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾[النساء:105]، فتكليف النبي -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ- بالحكم بالحق يدل على شرف القضاء وفضله، والعلوم المعينة للقاضي على أداء مهمته، ومنها فقه المرافعات.
المطلب الثاني: حكم تعلم فقه المرافعات:
فمعرفة الأحكام الفقهية الكلية الموضوعية واجبة على القاضي فيما يفصل فيه من قضائه؛ لأنه لا يجوز له الحكم بغير علم، فإن الله -عَزَّ وَجَلَّ- قد أوجب الحكم بالعدل كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾[النساء:58]، وحاجة القاضي إلى فقه الإجراءات في إقامة العدل ظاهرة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. والإعراض عن تعلم فقه المرافعات يوقع القاضي في الجهل بالطرق الموصلة إلى الحكم من إجراءات التقاضي، والنبي -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ- قد توعد القاضي الجاهل بالنار، ولا يتوعد بالنار على شيء إلا أن يكون فعله محرمًا منهيًّا عنه، فعن ابن بريدة عن أبيه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ: «القضاة ثلاثة: اثنان في النار، وواحد في الجنة: رجل عرف الحق فقضى به، فهو في الجنة، ورجل عرف الحق فلم يقض به فهو في النار، ورجل لم يعرف فقضى للناس على جهل فهو في النار»، فالحديث قد دل على وجوب تعلم فقه المرافعة على القاضي حتى لا يوقع الحكم في غير موقعه، فيكون ممن قضى بغير علم.
المبحث الرابع: استمداد فقه المرافعات، وفيه أربع مطالب:
المطلب الأول: شمول الشريعة لفقه المرافعات، وحكم استمداده من أصولها:
إن جميع أفعال الإنسان وتصرفاته فعلا أو تركًا، عادية؛ أي في المعاملات ونحوها، أو دينية، من أحكام الصلاة ونحوها من الشعائر التعبدية، محكوم عليها بالشرع، فحكم الله محيط بجميع الحوادث، ليس من حادثة إلا ولله فيها حكم دلَّ عليه كتابه وسنَّة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ، يقول تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾[الأنعام:38]. يقول الشاطبي: "فلا عمل يفرض ولا حركة ولا سكون يدَّعى إلا والشريعة عليه حاكمة إفرادًا وتركيبًا". ويقول ابن القيم وهو يتحدث عن الحكم الشرعي، فيقرر أنه: "محيط بجميع أفعال المكلفين أمرًا، ونهيًا، وإذنًا، وعفوًا". ويقول ابن تيمية: "لولا الرسالة لم يهتد العقل إلى تفاصيل النافع والضار في المعاش والمعاد". وشريعة الله قد حوت أحكام الحوادث بأصولها، وكلياتها، وقواعدها، ومقاصدها، وجزئياتها، فتارة نجد الحكم منصوصًا عليه بجزئه، كقوله تعالى: ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ﴾[النساء:11]، وتارة لا يكون منصوصًا عليه بجزئه، ولكن جاء النصوص دالة على قاعدة ضابطة له كقوله صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ: «لا ضرر ولا ضرار»، فمثل هذا النص يعد قاعدة ضابطة يخرَّج عليه أحكام جزئيات كثيرة، وهكذا الشأن في جميع القواعد الكلية الشرعية.
المطلب الثاني: الأصول الشرعية التي يستمد منها فقه المرافعات:
المطلب الثالث:
الحاجة إلى معرفة المقاصد الشرعية لفقه المرافعات عند استمداد أحكامه، وبيان هذه المقاصد، وفيه ثلاثة فروع:
الفرع الأول: المراد بمقاصد الشريعة، وأقسامها:المراد بمقاصد الشريعة في فقه المرافعات:
هي المعاني والحِكم ونحوها من الأهداف والغايات التي راعاها الشرع لتحقيق مصالح العباد في إجراءات المرافعة، وتنقسم إلى:
مقاصد كلية: وهي المقاصد التي تراعيها الشريعة وتسعى إلى تحقيقها في جميع أحكام المرافعات أو في جملة من أحكامها.
ومقاصد جزئية: وهي مقصد الشرع في كل حكم جزئي كلي للمرافعات من حظر وإباحة ونحوهما، وهي المعنية بحكم التشريع.
الفرع الثاني: الحاجة إلى معرفة المقاصد الشرعية لفقه المرافعات عند استمداد أحكامه:
فمقاصد الشريعة لها أهمية كبيرة في استمداد الأحكام وتقريرها، فهي أداة لإنضاج الاجتهاد وتقويمه، فمن أدركها وصار خبيرا بها مع إدراكه للأدلة الجزئية فقد صار من أهل الرسوخ في العلم، وسهل عليه استنباط الأحكام وتقريرها في وضوح تام. وقد أوضح ابن عاشور أن الفقيه محتاج إلى معرفة المقاصد في فهم النصوص، والجمع والترجيح، وتعرف العلل للقياس عليها، وتقرير الأحكام التعبدية على ما هي عليه، والحكم فيما لا يشمله نص خاص ولا قياس.
الفرع الثالث: المقاصد لفقه المرافعات:
المطلب الرابع: أثر أدلة وقوع الأحكام في تقرير فقه المرافعات: فأدلة وقوع الأحكام هي الأدلة الدالة على وقوع أسباب الأحكام وشروطها وموانعها، فبأدلة الوقوع يعرف وجود المعرفات أو انتفاؤها في المحل المحكوم عليه، فالأسباب مثبتة، والأدلة مظهرة، وبأدلة الشرعية يعرف تأثير المعرفات في الحكم، فيعرف سببية السبب، وشرطية الشرط، ومانعية المانع، كما يعرف بها الحكم الكلي من وجوب وحرمة وغيرهما. فعدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشر واجبة بدليل الشرعية، وهو قول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾[البقرة:234]، ويعرف تمام العدة بالعدد والحساب، وهو من أدلة وقوع الأحكام.
المبحث الخامس:
الإفادة من التراث الفقهي للمرافعات، ومما يجري عليه العمل عند تنظيم فقه المرافعات، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: الإفادة من التراث الفقهي عند تنظيم فقه المرافعات:
المراد بالتراث الفقهي: ما قرره الفقهاء من أحكام اجتهادية مستفادة من الأدلة الشرعية، ولا يدخل في ذلك الإجماع والنصوص الشرعية الصريحة، فهي حجة بذاتها، ومعصومة من الخطأ. وقد قرر فقهاؤنا وحرروا أحكامًا فقهية كثيرة تناقلتها الأجيال في مدونات مشتهرة، وتعاقبوها بالمراجعة والتمحيص، وكانت هذه المدونات ذخيرة فقهية ضخمة لا يستغني عن مطالعتها طالب العلم مهما علا قدره في الفقه واشتد ساعده فيه، كما أن الفقيه إذا نظر في آراء من تقدمه المقرونة بأدلتها ربما انفتح له أفق من الاستنباط والتأصيل والتقعيد ممن سبقه لم يخطر له على بال لو أعرض عن هذا التراث وأهمله، وكان الإمام أحمد يقول لبعض أصحابه: "إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام"، وقال الشافعي في مسألة في الحج: "قلته تقليدًا لعطاء"، فتواصل الفقهاء مستمر دائم، يستفيد لاحقهم من سابقهم، ولو كان إمامًا مجتهدًا. لذا يجب على من يتصدى لتنظيم الإجراءات الإفادة من فقه السلف من التابعين وسائر العلماء الماضيين مما صح مأخذه وقويت حجته، ولا زال العلماء يستنبطون ويقعدون لفقه المرافعة من الأصول الشرعية ويتوسعون في ذلك كلما حدثت لهم نوازل وأحوال لم تكن فيمن سبقهم. وقد قال ابن عاشور: "ولم يزل الفقهاء يضيفون إلى أحكام المرافعات ضوابط وشروطًا كثيرة ما كان السلف يراعونها.
المطلب الثاني: التعريف بأبرز المؤلفات التراثية المطبوعة المتعلقة بالمرافعات وفيه تمهيد وأربعة فروع:
التمهيد: في بيان أهمية مؤلفات المرافعات التراثية ومزاياها:
فقد كانت تلك الكتب التي سطرها القضاة الأهمية البالغة، فهذه الكتب تجمع بين طهراة المنبت وأصالة الصياغة، ويقول صلاح الدين الناهي في مقدمته لتحقيق كتاب "روضة القضاة وطريق النجاة" للسمناني: "وثمة مزية يلمسها قارئ هذا الكتاب: ألا وهي عرض المسائل الفقهية بشكل جذاب بارع الصياغة".
الفرع الأول: كتب القضاء في مذهب الحنفية: من هذه الكتب:
الفرع الثاني: كتب القضاء في مذهب المالكية: منها:
الفرع الثالث: كتب القضاء في مذهب الشافعية: من أبرز الكتب المطبوعة في المذهب الشافعي:
الفرع الرابع: كتب القضاء في مذهب الحنابلة: إن فقهاء المذهب الحنبلي لم يعتنوا بإفراد القضاء وآدابه وبيِّناته بمؤلفات خاصة كغيرهم من فقهاء المذاهب الأخرى، إلا أن ابن القيم قد اعتنى بالتأليف في القضاء وأحكامه وذلك في كتابه: "إعلام الموقعين عن رب العالمين"، بشرح خطاب عمر بن الخطاب في القضاء الذي وجهه إلى أبي موسى الأشعري -رَضِي اللهُ تَعَالَى عَنْهُما- ، وقد ألف كتابًا آخر في طرق الحكم – وسائل الإثبات- سماه: "الطرق الحكمية في السياسة الشرعية". ويوجد كتاب: "الفتح الجلي في القضاء الحنبلي"، مؤلفه محمد جميل أفندي الشطي، هو متأخر، وفيه تراجم لقضاة محاكم دمشق الحنابلة ابتداء من الموفق ابن قدامة إلى مؤلفه. وقد ذكر بكر بن عبد الله أبو زيد في كتابه: "المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل وتخريجات الأصحاب" سبعة عشر كتابًا من كتب الحنابلة في القضاء، بعضها غير مطبوع، وأخرى ليست من كتب القضاء والتوثيق والإثبات، وإنما هي في الأحكام الموضوعية.
المطلب الثالث: ثبتٌ بالمؤلفات التراثية المتعلقة بالمرافعات، والقضاء، والتوثيق، والإثبات، وفيه تمهيد، وستة فروع:
التمهيد: فإن العلماء قد اهتموا بأحكام القضاء والتقاضي، والإثبات، والتوثيق، والصيغ، فألفوا فيها المؤلفات المختلفة، وهذا يرجع إلى أهمية هذا الفن من التأليف حاجة الناس إليه.
الفرع الأول: الكتب المؤلفة في المذهب الحنفي؛ ألف أربعون كتابًا، منها:
الفرع الثاني: الكتب المؤلفة في المذهب المالكي؛ ألف واحد وستون كتابا، منها:
الفرع الثالث: الكتب المؤلفة في المذهب الشافعي: ألف في هذا المذهب ثلاثون كتابًا، منهم:
الفرع الرابع: الكتب المؤلفة في المذهب الحنبلي: ألف في هذا المذهب عشرة كتب، منهم:
الفرع الخامس: الكتب المؤلفة في المذاهب الأخرى، ومن لم يعرف مؤلفها أو مذهبه:
قد بلغ عدد هذه الكتب ستة عشر كتابًا، منهم:
الفرع السادس: الكتب المؤلفة في تراجم القضاة وأخبارهم:
وقد ذكر أسماء عشرة كتب، منهم:
المطلب الرابع:
الإفادة مما يجري عليه العمل عند تنظيم فقه المرافعات:
لقد نفذ فقه المرافعات في الواقع، فصارت له تجارب أبدت ما كان مقررا، وساعدت على تقرير أحكام وإجراءات قضائية كانت أصلا لما جاء بعدها. وقد كان القضاء بما قضى به الصالحون منهجًا عند سلفنا، فهذا عبد الله بن مسعود -رَضِي اللهُ تَعَالَى عَنْهُ- يقول: "من عرض له منكم قضاء بعد اليوم فليقض بما في كتاب الله، فإن جاء أمر ليس في كتاب الله، فليقض بما قضى به نبيه -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ، فإن جاء أمر ليس في كتاب الله ولا قضي به نبيه -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ- فليقض بما قضى به الصالحون، فإن جاء أمر ليس في كتاب الله ولا قضى به نبيه -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ- ولا قضى به الصالحون، فليجتهد رأيه"، وقد ذكر الفقهاء من آداب القاضي: أن يكون مطلعًا على أحكام من قبله، بصيرًا وعالمًا بها؛ كي يستضيء بها ويستفيد منها، فحريٌّ بنا الإفادة مما جرى عليه العمل في محاكمنا الشرعية مما صح مأخذه وقويت حجته – عند تقرير أي نظام إجرائي للمرافعات.
المبحث السادس: مشروعية تنظيم فه المرافعات والإلزام به، وضوابط صياغة وتأصيل تنظيم فقه المرافعات، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: مشروعية تنظيم فه المرافعات والإلزام به:
وهو يعني أمرين:
الأول: جعل فقه المرافعات منظمًا في فقرات، أو مواد منظمة.
الثاني: الإلزام بهذا التنظيم.
أما الأول: فهو نوع من التأليف والتصنيف، والمقصود به: حُسن إخراج المادة العلمية، وسهولة الرجوع إليها وقت الحاجة، وهو أمر فني في التأليف، والأصل فيه: الجواز والإباحة، وعلى مُدَوِّنِ ذلك الالتزام بالدليل والتعليل.
أما الثاني: فإن أمر الإجراءات والرسم في فقه المرافعات يتَّسع للإلزام به؛ لأنه يبين للقاضي والمترافعين طريق سير الدعوى، ويعين على وصول الحقوق لأصحابها بأتقن الطرق وأضبطها وأقربها للحكم بالحق، وإذا تحققت المصلحة في الإلزام به وجب الأخذ بذلك وتنفيذه. وقد كان الولاة من السلف إذا ولى أحدهم قاضيا يكتب له الإجراءات القضائية التي يتبعها عند إجراء الخصومة والحكم في القضية، كما في خطاب عمر بن الخطاب إلى قاضيه أبي موسى الأشعري -رَضِي اللهُ تَعَالَى عَنْهُما-، وكما في عهد عقبة السلولي إلى قاضيه مهدي بن مسلم.
المطلب الثاني: ضوابط صياغة وتأصيل تنظيم فقه المرافعات:
فعند صياغة وتأصيل الأحكام والنظم الإجرائية لا بد من استيفاء الضوابط الأتية:
المبحث السابع:
نماذج من فقه المرافعات المدون لدى السلف، وفيه ثلاث مطالب:المطلب الأول:
خطاب عمر بن الخطاب إلى قاضيه أبي موسى الأشعري رَضِي اللهُ تَعَالَى عَنْهُما: عن سفيان بن عيينة قال: حدثنا إدريس الأودي عن سعيد بن أبي بردة –وأخرج الكتاب -، فقال: هذا كتاب عمر، ثم قرئ على سفيان من ههنا: "إلى أبي موسى الأشعري:
أما بعد: فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، فافهم إذا أدلى إليك، ..............إلى آخر النص". فهذا كتاب عمر، ويسميه بعض العلماء: "كتاب سياسة القضاء وتدبير الحكم". وقال عنه ابن تيمية: "ورسالة عمر المشهورة في القضاء إلى أبي موسى الأشعري تداولها الفقهاء، وبنوا عليها، واعتمدوا على ما فيها من الفقه وأصول الفقه". وقال عنه ابن القيم: "وهذا كتاب جليل القدر، تلقاه العلماء بالقبول، وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة، والحاكم والمفتي أحوج شيء إليه وإلى تأمله والتفقه فيه". المطلب الثاني: عهد عقبة بن الحجاج السلولي إلى القاضي مهدي بن مسلم –رحمهما الله تعالى: ونص هذا العهد: "بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما عهد به عقبة بن الحجاج إلى مهدي بن مسلم حين ولاه القضاء، عهد إليه بتقوى الله، وإيثار طاعته .........إلى آخر النص" قال المالقي (ت:793ه) عن هذا العهد: "قال ابن الحارث: وإنه اليوم لأصل من الأصول للعهد في القضاء". المطلب الثالث: القواعد والأحكام المقررة للمرافعات في هاتين المدونتين:
المبحث الثامن: تفسير نظام المرافعات، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: المراد بنظام المرافعات، وتعريف التفسير في اللغة، والمراد بتفسير نظام المرافعات، وأنواع تفسيره:
المراد بنظام المرافعات: هو النصوص الفقهية المقررة لتنظيم قواعد وأحكام سير المرافعة وما يتعلق بها منذ بداية الدعوى حتى الفصل فيها. المراد بتفسير نظام المرافعات: هو كشف معاني النصوص المنظمة للمرافعات، وذلك بكشف مغلقها، وبيان المراد بها ببيان مجملها، ودلالتها من وجوب، وحظر، وإباحة، ودلالة مفهومها، ومنطوقها، وتوضيح صورها بالأمثلة، والجمع والترجيح بين ما يظهر تعارضه منها. أنواع تفسير نظام المرافعات: يتنوع من جهة من يصدر عنه ثلاثة أنواع:
المطلب الثاني:
أهمية تفسير نظام المرافعات:
إن الألفاظ تعد وعاء المعاني، ولكن الوعاء الذي يحمل تلك المعاني قد يكون غامضًا ملتبسًا، مغلق الدلالة، أو يحتمل أكثر من معنى، ولا يمكن فهم ذلك إلا بالبيان والتفسير؛ بحيث لا يدخل فيه غير موضوعه، ولا يخرج منه شيء من موضوعه، فإن الغلط في التفسير والبيان للأحكام الشرعية الإجرائية وغيرها يتضمن محذورين: أحدهما: أن يخرج من كلامه؛ أي كلام الله ورسوله، ما قصد دخوله فيه. والثاني: أن يشرع لذلك النوع الذي أخرجه غير حكمه، فيكون ذلك تغييرًا لألفاظ الشارع ومعانيه"، ولذا وجب التفسير والبيان للنصوص عند الاقتضاء، وذلك لتيسير تنزيلها على محالها، وتعليمها، وكافة ما يستدعي ذلك لها. المطلب الثالث: ضوابط تفسير نظام المرافعات: لتفسير نظام المرافعات ضوابط تُعين المفسر على تحديد المعنى المراد، وهي:
أولًا: الدلالات اللغوية:
فالدلالات اللغوية للألفاظ معتد بها في بيان النصوص وتفسيرها، وينظر إليها من جهة أثر دلالة الأمر والنهي ونحوهما، ومن جهة دلالة الألفاظ على المعنى المراد وضوحًا وإبهامًا، أو منطوقًا ومفهومًا، ومن جهة عمومها وخصوصها، وإطلاقها وتقييدها. ثانيًا: مقاصد الشريعة: ومقاصد الشريعة عامة: هي المعاني والحِكم ونحوها من الأهداف والغايات التي راعاها الشرع لتحقيق مصالح العباد في الدارين سواء في الأحكام عامة، أو في باب معين كالمرافعات. أما المراد بمقاصد فقه المرافعات: فهي المعاني والحِكم ونحوها من الأهداف والغايات التي راعاها الشرع لتحقيق مصالح العباد في إجراءات المرافعة.
مكانة مقاصد الشريعة في التفسير:
إن معرفة مقاصد الشريعة العامة أو الخاصة في فقه المرافعات أو حكمة التشريع في حكم خاص مما يعين على فهم النص، كما يرجح احتمالًا في التفسير على آخر، أو قولًا في الترجيح على آخر، فالألفاظ لا تراد لذاتها، وإنما لما تحمله من معنى ربما دلت عليه تلك المقاصد، فكشف مغلق اللفظ وبيَّنته. فالواجب أن يعطى اللفظ حقه، والمقصد حقه؛ لكشف المعنى وتقريره، ولا يستقيم لمن رام تفسيرًا لنص شرعي مشكل أن يهمل مراعاة المقاصد الشرعية لإيضاح النص وبيانه ولا يتبع المقاصد في ظنه مُهدرًا دلالة اللفظ. ثالثًا: مراعاة المصطلحات الفقهية المقررة. رابعًا: إعمال قواعد الجمع والترجيح عند التعارض.
المبحث التاسع: تعديل أحكام المرافعات، وآثاره، وفيه ثلاثة مطالب:المطلب الأول: تعديل الأحكام في الشريعة:
من الأحكام الاجتهادية المقررة في مدونات الفقهاء موضوعية أو إجرائية ما يكون مناطه المصلحة المؤقتة، فهو دائم بدوامها، فإذا طرأ عليها ما يوجب العدول عنها وجب استئناف النظر في تقرير الحكم الكلي لها. يقول الزمخشري: "والشرائع مصالح تختلف باختلاف الأحوال والأوقات، فلكل وقت حكم يكتب على العباد؛ (أي يفرض عليهم)، على ما يقتضيه استصلاحهم. ومن هذا القبيل أحكام الإجراءات القضائية ومقادير العقوبات التعزيرية، أو أجناسها وصفاتها، فإنها تتنوع حسب المصلحة. ومنه ما كان من الإجماعات مؤقتًا لكونه مبنيا على مصلحة مؤقتة تتغير وتتبدل من زمن لآخر، ولكن توجد الأحكام الأساس التي جاءت الشريعة لتقريرها بنصوص محكمة لا تتبدل ولا تتغير، وذلك كوجوب الواجبات، وتحريم المحرمات، والحدود، والتراضي في العقود. المطلب الثاني: انعطاف أحكام المرافعات واقتصارها عند تعديلها: فإن أثار الأحكام تتنوع إلى نوعين: النوع الأول: اقتصار الأحكام: وهو أن يكون أثرها منذ صدورها أو بعده حسبما ينص عليه، وهذا الأمر أمر مقرر شرعًا ويشتمل على أنظمة المرافعات. وأصل ذلك: قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾[الإسراء:15]، فالله -عَزَّ وَجَلَّ- قد بيَّن أن مهمة الرسل البشارة والنذارة، وأنه -عَزَّ وَجَلَّ- لن يؤاخذ الخلق على أمر قبل وقوعه. النوع الثاني: انعطاف الأحكام: وهو جريان أثرها على الوقائع قبل صدورها، ويعبر عنه بعض الفقهاء بـ"استناد الأحكام"، كما يعبر عنه بعض المعاصرين بـ "رجعية الأحكام". المطلب الثالث: نفاذ أحكام المرافعات التي تمت صحيحة عند تعديلها: إن كلَّ إجراء من إجراءات الدعوى منذ رفعها وحتى تمامها بحكم نهائي تمَّ صحيحًا في ظل أحكام سابقة، فإنه يبقى صحيحًا ولا يبطل شيء منه؛ لأن الأحكام لا تنعطف بالبطلان على ما تم صحيحًا منها، بل يكون جريانها اقتصارًا من نفاذها. ودليل ذلك: قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[البقرة:143]، فهذه الآية زلت بعد نسخ القبلة من بيت المقدس إلى مكة المكرمة، وأخبر الله -عَزَّ وَجَلَّ- بأن ما تم من صلاة المؤمنين قبل نسخ القبلة فهو صحيح معتد به.